منذ أكثر من ألف و سبعمائة عام .. لم يعد الطب حكراً على أحد ، لقد خالف أبقراط (الطبيب اليوناني المعروف و الذي يلقب بأبي الطب) تعاليم أجداده و موروثات و تقاليد عائلته التي كان أفرادها من الأطباء ، فعلى الرغم من أنه ورث المهنة عمودياً كابراً عن كابر ، إلا أنه نشرها بشكل أفقي واسع على نطاق المجتمع كافة ، و ألف الكتب في هذا الفن الذي كان ، و لحد ذلك التاريخ ، تصنف مجلداته بلغة خاصة و حروف معينة بحيث لا يفهمهما إلا أفراد العائلة الممتهنون للطب ، و جمع حوله التلاميذ و علمهم أصوله النظرية ، و دربهم على أساليبه العملية ، ورسخ بذلك ما يمكن الإشارة إليه على أنه مفهوم " ما في حدا أحسن من حدا ! " فالكل يمكن أن يكون طبيباً .. طبعاً إن أراد ذلك ، و من لم يرد أن يكون طبيباً فليكن مريضاً أو مراجعاً مثقفاً و مكتفياً علمياً بما يهمه من شؤون صحته العامة .
ذاك هو الخط الفاصل بين المطلوب و اللامطلوب ، المطلوب طبيب ماهر و مريض متفهم ، و ليس طبيباً متحذلقاً و متمارض يدعي تفننه في أصول المهنة ، و لقد أصبح العلم و الطب الآن متاحا للجميع ، و لا داعي للخوض في ذلك أبعد من ذلك ، بات الناس يسمعون و يقرؤون و يتساءلون عن حالاتهم و أمراضهم و علاجاتهم ، فما المانع إذاً أن يشخص الناس حالاتهم .. أو على الأقل أن يساهموا في تشخيصها .
لا أقول ذلك بدافع الملل من ممارسة المهنة أو من الالتقاء بالمرضى .. و إنما أقول ذلك للدعوة إلى رفع سوية الثقافة الصحية في المجتمع .. و إلى محو الأمية في هذا المجال ، على الرغم من أن مثل هذا الأمر يمكن أن ينعكس سلباً على جيوب الأطباء و أنا منهم ، و لا أعني أبدا ً جيوبهم الأنفية ،.. و لكن الأرزاق على الله !
إن القاعدة الذهبية في مكافحة المرض أياً كان .. أن تتعرف إليه قبل أن يتمكن منك .. أي أن تتغدى به قبل أن يتعشى بك إن صح التعبير ، و تصبح هذه القاعدة ماسية عندما يكون المرض مقلقاً أو خطيراً أو صعب المعالجة ، و ذلك كما هو الحال في الأورام و السرطانات ، حيث تتمتع هذه الحالات بكره شعبي واسع النطاق يجعل من المستحيل أحياناً على بعض الأشخاص أن يتلفظوا باسمها ، بل إن الناس تطلق على هذه الأمراض لفظ "هداك المرض" و لك أن تتمعن في اسم الإشارة المستخدم في هذه الحالة .. إنه اسم الإشارة المخصص للإشارة إلى الأشياء البعيدة .. أي أنهم حتى لم يقولوا " هادا المرض " ! .
و على الرغم من التقدم الحاصل في كشف و تشخيص و علاج العديد من الحالات الورمية و السرطانية .. يبقى حجر الأساس ، في الوقت الراهن على الأقل ، هو في الكشف المبكر ، و هذا ما يجعل من البرامج الطبية و الوقائية و التعليمية المتعلقة بتثقيف الناس حول ما يجب أن يلفت انتباههم إلى هذه الحالات أمراً غاية في الأهمية ، كما أنها تظهر حقيقة أن فلس وقاية .. خير من ألف ألف دولار علاج ..!
و لعل حالات سرطانات الثدي من بين الأكثر شيوعاً و الأكثر جذباً للاهتمام من هذه الأمراض ، و من المعروف أن كلمة سرطان Cancer مأخوذة من اللاتينية كارسينوما Carcinoma و التي تعني حيوان السرطان المعروف ، حيث أن أبقراط ، كما في أدق الروايات ، قام بجس كتلة غريبة في ثدي إحدى المريضات ، و كانت على شكل كتلة مركزية و يتشعب منها أذرع ورمية باتجاهات مختلفة بحيث بدا لأبقراط حينها تشابه هذه الكتلة مع حيوان السرطان .
و فيما يخص طب الأطفال .. نهتم بشكل خاص بتثقيف و تعليم المراهقات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 13 و 20 عاماً بكافة أساليب الوقاية من سرطان و أورام الثدي ، و التي يأتي في مقدمتها .. الفحص الذاتي للثديين ، و الذي أنصح أن تتعلمه و تمارسه المهتمات بهذا الشأن اعتباراً من سن الثامنة عشرة من العمر .
و في البداية نزف البشرى إلى الفتيات في هذا العمر .. حيث إنه من النادر ، بل و من النادر جداً ، أن تصاب من هي في هذه الفئة العمرية بالسرطان في الثدي ، حيث ثبت أن حوالي نصف من يراجعن الطبيب بخصوص وجود كتلة في أحد الأثداء بأعمار تتراوح من 18 –21 عاماً أنها عبارة عن كيسات سليمة تماماً ، و 15% كانت الإصابة الداء الليفي الكيسي ، و هو حالة سليمة أيضاً ، و 13% كانت الحالة سليمة تماماً و لم تكن هناك أية حالة مرضية معينة !
و تشير دراسة ثانية إلى أن 99% من جميع حالات ما يمكن أن نشير إليه بشكوى " كتلة في الثدي ".. كانت إما ورم سليم أو داء ليفي أو إنذار كاذب ، و فقط 1% كانت ورما خبيثاً في مراحله الأولية .
نحن نتفق إذاً على أن سرطان الثدي ، عافانا الله و إياكم ، هو مرض نادر جداً و الحمد لله عند هذه الفئة العمرية الشابة من المرضى ، إذاً ما الذي يدفع إلى إثارة هذا الموضوع من الأساس ؟ الواقع أن الفحص الذاتي للثديين يكتسب منحى خاصاً به في هذه السن ، و هو أنه يجعله فحصاً مألوفا و معتاداً عليه من قبل الفاحصة مع تقدمها بالعمر ، و يشرح لها عملياً ما تعنيه حالة " طبيعي " و ما تعنيه حالة " غير طبيعي " ، كما أنها تقوم به و هي تعلم مسبقاً أنها غالباً ليست مصابة بمرض عض
0 التعليقات:
إرسال تعليق